فصل: كتاب الفرائض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


/ كتاب الفرائض

/ وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل توفي صاحب له في الجهاد، فجمع تركته في مدة ثلاث سنين بعد تعب‏:‏ فهل يجب له على ذلك أجرة‏؟‏

فأجاب‏:‏

إن كان وصيا فله أقل الأمرين من أجرة مثله، أو كفايته وإن كان مكرهاً على هذا العمل فله أجرة مثله، وإن عمل متبرعاً فلا شيء له من الأجرة، بل أجره على الله، وإن عمل ما يجب غير متبرع، ففي وجوب أجره نزاع‏.‏ والأظهر الوجوب‏.‏

 وسئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ عن امرأة توفى زوجها، وخلف أولادًا‏؟‏

فأجاب‏:‏

للزوجة الصداق، والباقى في ذمته، حكمها فيه حكم سائر الغرماء، وما بقى بعد الدين والوصية النافذة إن كان هناك وصية فلها ثمنه مع الأولاد‏.‏

 وسئل ـ رحمه الله ـ عن امرأة ماتت، وخلفت زوجا وأبوين، وقد احتاط الأب على التركة، وذكر أنها غير رشيدة‏.‏ فهل للزوج ميراث منها‏؟‏

فأجاب‏:‏

ما خلفته هذه المرأة فلزوجها نصفه، ولأبيها الثلث والباقي للأم‏.‏ وهو السدس في مذهب الأئمة الأربعة، سواء كانت رشيدة أم غير رشيدة‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن امرأة ماتت عن أبوين، وزوج، وأربعة أولاد ذكور، وأنثى‏.‏ فقال الزوج لجماعة شهود‏:‏ اشهدوا، على أن نصيبي ـ هو ستة ـ لأبوي زوجتي، وأولادها المذكورين بالفريضة الشرعية، فما خص كل واحد منهم‏؟‏

فأجاب‏:‏

إذا كان قد ملكه نصيبه الذي هو ستة أسهم لسائر الورثة على الفريضة الشرعية، والباقي ثمانية عشر سهما‏:‏ للأبوين ثمانية أسهم، وأولاده عشرة أسهم، فترد تلك الستة على هذه الثمانيـة عشر سهما، ويقسم الجميع بينهم على ثمانية عشر سهما، كما يرد الفاضل عن ذوي السهام بينهم، عند من يقول بالرد؛ فإن نصيب الوارث جعله لهم بمنزلة النصيب المردود بينهم‏.‏

 وسئل عن امرأة ماتت، ولها زوج، وجدة، وإخوة أشقاء، وابن‏:‏ فما يستحق كل واحد من الميراث‏؟‏

فأجاب‏:‏

للزوج الربع، وللجدة السدس، وللابن الباقي، ولا شيء للأخوة باتفاق الأئمة‏.‏

/ وسئل عن امرأة توفيت، وخلفت زوجا، وابنتين، ووالدتها، وأختين أشقاء‏:‏ فهل ترث الأخوات‏؟‏

فأجاب‏:‏

يفرض للزوج الربع، وللأم السدس، وللبنتين الثلثان‏.‏ أصلها من اثنى عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر، وأما الأخوات فلا شيء لهن مع البنات؛ لأن الأخوات مع البنات عصبة، ولم يفضل للعصبة شيء، هذا مذهب الأئمة الأربعة‏.‏

 وسئل عن امرأة ماتت، وخلفت زوجا، وأما، وأختا شقيقة، وأختا لأب وأخا وأختا لأم‏؟‏

فأجاب‏:‏

المسألة على عشرة أسهم، أصلها من ستة، وتعول إلى عشرة وتسمى ‏[‏ذات الفروخ‏]‏ لكثرة عولها‏.‏ للزوج النصف، وللأم السدس ـ سهم ـ وللشقيقة ثلاثة، وللأخت من الأب السدس تكملة الثلثين، ولولدي الأم الثلث ـ سهمان‏.‏ فالمجموع عشرة أسهم‏.‏ وهذا باتفاق الأئمة الأربعة‏.‏

/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن امرأة ماتت، وخلفت زوجا، وبنتا، وأما، وأختا من أم فما يستحق كل واحد منهم‏؟‏

فأجاب‏:‏

هذه الفريضة تقسم على أحد عشر‏:‏ للبنت ستة أسهم، وللزوج ثلاثة أسهم؛ وللأم سهمان، ولا شيء للأخت من الأم؛ فإنها تسقط بالبنت باتفاق الأئمة كلهم‏.‏ وهذا على قول من يقول بالرد كأبي حنيفة، وأحمد‏.‏

ومن لا يقول بالرد؛ كمالك، والشافعي، فيقسم عندهم على اثنى عشر سهما؛ للبنت ستة، وللزوج ثلاثة، وللأم سهمان، والسهم الثاني عشر لبيت المال‏.‏

 فصل

والمقصود هنا أن النصوص شاملة لجميع الأحكام‏.‏ ونحن نبين ذلك فيما هو من أشكل الأشياء، لننبـه به على ما سواه، والفرائض من أشكلها‏.‏ فنقول‏:‏ / النص والقياس ـ وهما الكتاب، والميزان ـ دلا على أن الثلث يختص به ولد الأم، كما هو قول على، ومن وافقه، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد في المشهور عنه، وروى حرب التشريك، وهو قول زيد ومن وافقه، وقول مالك والشافعي، واختلف في ذلك عن عمر وعثمان، وغيرهما من الصحابة‏.‏

حتى قيل‏:‏ إنه اختلف فيها عن جميع الصحابة إلا عليًا، وزيدًا، فإن عليًا لم يختلف عنه أنه لم يشرك، وزيد لم يختلف عنه أنه يشرك‏.‏

قال العنبري‏:‏ القياس ما قال على، والاستحسان ما قال زيد‏.‏ قال‏:‏ قال العنبري‏:‏ هذه وساطة مليحة، وعبارة صحيحة‏.‏

فيقال‏:‏ النص والقياس دلا على ما قال على‏.‏ أما النص فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 12‏]‏ والمراد به‏:‏ ولد الأم، وإذا أدخلنا فيهم ولد الأبوين، لم يشتركوا في الثلث، بل زاحمهم غيرهم‏.‏

وإن قيل‏:‏ إن ولد الأبوين منهم وأنهم من ولد الأم، فهو غلط، والله تعالى قال‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ‏}‏ الآية‏.‏

وفي قراءة سعد وابن مسعود‏:‏ ‏[‏من الأم‏]‏، والمراد به ولد الأم بالإجماع‏.‏ ودل على ذلك قوله‏:‏ ‏{‏فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ‏}‏، وولد الأبوين والأب في آية في قوله‏:‏ ‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 176‏]‏، فجعل لها النصف، وله جميع المال، وهكذا حكم ولد الأبوين‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ‏}‏، وهذا حكم ولد الأبوين؛ لا الأم، باتفاق المسلمين‏.‏

فدل ذكره تعالى لهذا الحكم في هذه الآية، وكذلك الحكم في تلك الآية على أن أحد الصنفين غير الآخر‏.‏ وإذا كان النص قد أعطى ولد الأم الثلث فمن نقصهم منه فقد ظلمهم‏.‏ وولد الأبوين جنس آخر‏.‏

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر‏)‏

وهذا يقتضي أنه إذا لم تبق الفرائض شيئًا لم يكن للعصبة شيء، وهنا لم تبق الفرائض شيئًا‏.‏

وأما قول القائل‏:‏ إن أباهم كان حمارًا، فقد اشتركوا في الأم‏.‏ فقول فاسد حسًا، وشرعًا‏.‏

أما الحس‏:‏ فلأن الأب لو كان حمارًا لكانت الأم أتانًا، ولم يكونوا من بني آدم‏.‏ وإذا قيل‏:‏ مراده أن وجوده كعدمه، فيقال‏:‏ هذا باطل فإن الوجود لا يكون معدومًا‏.‏

وأما الشـرع‏:‏ فلأن الله حكم في ولد الأبوين، بخلاف حكمه في ولد الأم/ وإذا قيل‏:‏ فالأب إذا لم ينفعهم لم يضرهم‏؟‏

قيل‏:‏ بلى، قد يضرهم، كما ينفعهم؛ بدليل ما لو كان ولد الأم واحدا وولد الأبوين كثيرين؛ فإن ولد الأم وحده يأخذ السدس، والباقي يكون لهم كله، ولولا الأب لتشاركوا هم وذاك الواحد في الثلث، وإذا جاز أن يكون وجود الأب ينفعهم جاز أن يحرمهم، فعلم أنه يضرهم‏.‏

وأيضًا، فأصول الفرائض مبنية على أن القرابة المتصلة، ذكر وأنثى، لا تفرق أحكامها‏.‏ فالأخ من الأبوين لا يكون كأخ من أب، ولا كأخ من أم، ولا يعطي بقرابة الأم وحدها، كما لا يعطي بقرابة الأب وحده، بل القرابة المشتركة من الأبوين؛ وإنما يفرد إذا كان قرابة لأم منفردا، مثل ابني عم‏.‏ أحدهما أخ لأم، فهنا ذهب الجمهور إلى أن للأخ لأم السدس، ويشتركان في الباقي، وهو مأثور عن علي، وروي عن شريح‏:‏ أنه جعل الجميع للأخ من الأم، كما لو كان ابن عم لأبوين، والجمهور يقولون‏:‏ كلاهما في بنوة العم سواء هما ابن عم من أبوين أو من أب والأخوة من الأم مستقلة ليست مقترنة، حتى يجعل كابن عم لأبوين‏.‏

ومما يبين الحكم في ‏[‏مسألة المشتركة‏]‏ أن لو كان فيهن أخوات من أب لفرض لهن الثلثان، وعالت الفريضة، فلو كان معهن أخوهن سقطن، ويسمى ‏[‏الأخ المشؤوم‏]‏، فلما صرن بوجوده يصرن عصبة‏.‏ صار تارة ينفعهن، وتارة يضرهن، ولم يجعل وجوده كعدمه في حالة الضر‏.‏ كذلك قرابة الأب لما/ الأخوة بها عصبة صار ينفعهم تارة ويضرهم أخرى‏.‏ فهذا مجرى ‏[‏العصوبة‏]‏، فإن العصبة تارة يحوز المال كله، وتارة يحوز أكثره، وتارة أقله، وتارة لا يبقى له شيء، وهو إذا استغرقت الفرائض المال‏.‏ فمن جعل العصبة تأخذ مع استغراق الفرائض المال فقد خرج عن الأصول المنصوصة في الفرائض‏.‏

وقول القائل‏:‏ هو استحسـان‏.‏ يقال‏:‏ هذا استحسان يخالف الكتاب والميزان؛ فإنه ظلم للأخوة من الأم؛ حيث يؤخذ حقهم فيعطاه غيرهم‏.‏

والمنازعون في هذه المسألة ليس معهم حجة إلا أنه قول زيد‏.‏ فقد روي عن عمر‏:‏ أنه حكم بها فعمل بذلك من عمل من أهل المدينة وغيرها، كما عملوا بمثل ذلك في ميراث الجد والأخوة‏.‏ وعملوا بقول زيد في غير ذلك من الفرائض تقليدًا له، وإن كان النص والقياس مع من خالفه‏.‏ وبعضهم يحتج لذلك بقوله‏:‏ ‏(‏أفرضكم زيد‏)‏‏.‏ وهو حديث ضعيف، لا أصل له‏.‏ ولم يكن زيد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم معروفا بالفرائض‏.‏ حتى أبو عبيدة لم يصح فيه إلا قوله‏:‏ ‏(‏لكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح‏)‏‏.‏

وكذلك اتباعهم لزيد في ‏[‏الجد‏]‏، مع أن جمهور الصحابة على خلافه‏.‏ فجمهور الصحابة موافقون للصديق في أن الجد كالأب، يحجب الأخوة، وهو مروي عن بضعة عشر من الصحابة، ومذهب أبي حنيفة، وأحد الوجهين في مذهب الشافعي، وأحمد‏.‏ اختاره أبو حفص البرمكي من أصحابه، وحكاه/بعضهم رواية عن أحمد‏.‏ وأما المورثون للأخوة مع الجد فهم على وابن مسعـود وزيد، ولكل واحد قول انفرد به‏.‏ وعمر بن الخطاب كان متوقفا في أمره‏.‏ والصواب بلا ريب قول الصديق؛ لأدلة متعددة، ذكرناها في غير هذا الموضع‏.‏

وأما ‏[‏العمريتان‏]‏، فليس في القرآن ما يدل على أن للأم الثلث مع الأب والزوج، بل إنما أعطاها الله الثلث إذ ورثت المال هي والأب، فكان القرآن قد دل على أن ما رثته هي والأب تأخذ ثلثه، والأب ثلثيه، واستدل بهذا أكابر الصحابة؛ كعمر، وعثمان، وعلى وابن مسعود، وزيد وجمهور العلماء، على أن ما يبقى بعد فرض الزوجين، يكونان فيه أثلاثًا، قياسا على جميع المال، إذا اشتركا فيه، وكما يشتركان فيما يبقى بعد الدين، والوصية‏.‏

ومفهوم القرآن ينفي أن تأخذ الأم الثلث مطلقا، فمن أعطاها الثلث مطلقا حتى مع الزوجة، فقد خالف مفهوم القرآن‏.‏

وأما الجمهور فقد عملوا بالمفهوم، فلم يجعلوا ميراثها إذا ورثه أبوه كميراثها إذا لم يرث؛ بل إن ورثه أبوه فلأمه الثلث مطلقًا، وأما إذا لم يرثه أبوه، بل ورثه من دون الأب؛ كالجد، والعم، والأخ، فهي بالثلث أولى فإنها إذا أخذت الثلث مع الأب فمع غيره من العصبة أولى‏.‏

/فدل القرآن على أنه إذا لم يرثه إلا الأم والأب، أو عصبة غير الأب، سوى الابن؛ فلأمه الثلث، وهذا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، وأما الابن فإنه أقوى من الأب، فلها معه السدس‏.‏ وإذا كان مع العصبة ذو فرض فالبنات والأخوات قد أعطوا الأم معهن السدس، والأخت الواحدة إذا كانت هي والأم، فالأم تأخذ الثلث مع الذكر من الأخوة، فمع الأنثى أولى‏.‏

وإنما الحجب عن الثلث إلى السدس بالأخوة، والواحد ليس إخوة‏.‏ فإذا كانت مع الأخ الواحد تأخذ الثلث، فمع العم وغيره بطريق الأولى‏.‏

وفي الجد نزاع، يروي عن ابن مسعود والجمهور على أنها مع الجد تأخذ ثلث المال، وهو الصواب؛ لأن الجد أبعد منها، وهو محجوب بالأب، فلا يحجبها عن شيء من حقها، ومحض القياس أن الأب مع الأم، كالبنت مع الابن، والأخت مع الأخ؛ لأنهما ذكر وأنثى، من جنس واحد، هما عصبة‏.‏ وقد أعطيت الزوجة نصف ما يعطاه الزوج؛ لأنهما ذكر وأنثى من جنس‏.‏

وأما دلالة الكتاب على ميراث الأم، فإن الله يقول‏:‏ ‏{‏لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 11‏]‏، فالله تعالى فرض لها بشرطين‏:‏ ألا يكون له ولد‏.‏ وأن يرثه أبوه، فكان في هذا دلالة على أنها لا تعطى الثلث مطلقًا، مع عدم الولد، / وهذا مما يدل على صحة قول أكابر الصحابة، والجمهور الذين يقولون‏:‏ لا تعطى في ‏[‏العمريتين‏]‏ ـ زوج وأبوان، وزوجة وأبوان ـ ثلث جميع المال‏.‏

قال ابن عباس وموافقوه‏:‏ فإنها لو أعطيت الثلث هنا، لكانت تعطاه مع عدم الولد مطلقا، وهو خلاف ما دل عليه القرآن‏.‏ وقد روى عنه أنه قال لزيد‏:‏ أفي كتاب الله ثلث ما بقى‏؟‏ أي ليس في كتاب الله إلا سدس وثلث‏.‏ فيقال‏:‏ وليس في كتاب الله إعطاؤها الثلث مطلقا، فكيف يعطيها مع الزوجين الثلث‏؟‏ ‏!‏ بل في كتاب الله ما يمنع إعطاؤها الثلث مع الأب وأحد الزوجين، فإنه لو كان كذلك كان يقول‏:‏ فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث، فإنها على هذا التقدير تستحق الثلث مطلقًا، فلما خص الثلث ببعض الحال، علم أنها لا تستحق مطلقًا‏.‏ فهذا مفهوم المخالفة، الذي يسمى دليل الخطاب، يدل على بطلان قول من أعطاها الثلث، إلا العمريتين ولا وجه لإعطائها الثلث مع مخالفته للإجماع‏.‏

إلى أن قال‏:‏ فإن قوله‏:‏ ‏{‏وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 11‏]‏، دل على أن لها الثلث، والباقي للأب بقوله‏:‏ ‏{‏وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ‏}‏، فإنه لما جعل الميراث ميراثا بينهما، ثم أخرج نصيبها، دل على أن الباقي نصيبه‏.‏ وإذا أعطى الأب الباقي معهـا لم يلزم أن يعطى غيره مثل ما أعطى‏.‏

وإنما أعطينا سائر العصبة بقوله‏:‏ ‏{‏وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 75‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{‏وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَإلى مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 33‏]‏، /وبقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فلأولى رجل ذكر‏)‏

 فصل

وأما ميراث الأخوات مع البنات، وأنهن عصبة، كما قال‏:‏ ‏{‏وَلَهُ أُخْتٌ‏}‏ ـ الذي هو قول جمهور الصحابة والعلماء ـ فقد دل عليه القرآن والسنة أيضًا، فإن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 176‏]‏، فدل على أن الأخت ترث النصف مع عدم الولد‏.‏ وأنه هو يرث المال كله مع عدم ولدها‏.‏

وذلك يقتضى أن الأخت مع الولد لا يكون لها النصف مما ترك، إذ لو كان كذلك لكان لها النصف، سواء كان له ولد، أو لم يكن له، فكان ذكر الولد تدليسا وعبثا مضرا، وكلام الله منزه عن ذلك‏.‏

ومن هذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 176‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 11‏]‏، وإذا علم أنها مع الولد لا ترث النصف، فالولد إما ذكر وإما أنثى‏.‏

/أما الذكر فإنه يسقطها كما يسقط الأخ بطريق الأولى؛ بدليل قوله‏:‏ ‏{‏وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 176‏]‏، فلم يثبت له الإرث المطلق إلا إذا لم يكن لها ولد، والإرث المطلق هو حوز جميع المال، فدل ذلك على أنه إذا كان لها ولد لم يحز المال، بل إما أن يسقط، وإما أن يأخذ بعضه‏.‏ فيبقى إذا كان لها ولد، فإما ابن، وإما بنت‏.‏ والقرآن قد بين أن البنت إنما تأخذ النصف، فـدل على أن البنت لا تمنعه النصف الآخر، إذا لم يكن إلا بنت، وأخ‏.‏ ولما كان فتيا اللّه إنما هو في الكلالة، والكلالة من لا والد له، ولا ولد، علم أن من ليس له ولد ووالد، ليس هذا حكمه‏.‏

ولما كان قد بين تعالى أن الأخ يحوز المال ـ مال الأخت ـ فيكون لها عصبة، كان الأب أن يكون له عصبة بطريق الأولى، وإذا كان الأب والأخ عصبة، فالابن بطريق الأولى، وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالي مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 33‏]‏‏.‏

ودل ـ أيضًا ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فلأولى رجل ذكر‏)‏‏:‏ أن ما بقى بعد الفرائض لا يرثه إلا العصبة، وقد علم أن الابن أقرب، ثم الأب، ثم الجد، ثم الأخوة‏.‏ وقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن أولاد بني الأم يتوارثون، دون بني العَلات‏.‏ فالأخ للأبوين أولى من الأخ للأب، وابن الابن يقوم مقام الابن، وكذلك كل بني أب أدنى هم أقرب من بني الأب الذي هو أعلى منه، وأقربهم إلى الأب الأعلى، /فهو أقرب إلى الميت‏.‏ وإذا استوى في الدرجة فمن كان لأبوين أولى ممن كان للأب‏.‏

فلما دل القرآن على أن للأخت النصف مع عدم الولد، وأنه مع ذكور ولد يكون الابن عاصبا يحجب الأخت، كما يحجب أخاها‏.‏

بقى الأخت مع إناث الولد، ليس في القرآن ما ينفي ميراث الأخت في هذه الحال‏.‏ بقى مع البنت‏:‏ إما أن تسقط، وإما أن يكون لها النصف، وإما أن تكون عصبة‏.‏ ولا وجه لسقوطها؛ فإنها لا تزاحم البنت‏.‏ وأخوها لا يسقط‏.‏ فلا تسقط هي، ولو سقطت بمن هو أبعد منها من الأقارب، والبعيد لا يسقط القريب، ولأنهـا كانت تساوي البنت مع اجتماعهما، والبنت أولى منها، فلا تساوي بها؛ فإنه لو فرض لها النصف لنقصت البنت عن النصف كزوج وبنت، فلو فرض لها النصف لعالت فنقصت البنت عن النصف، والإخوة لا يزاحمون الأولاد بفرض ولا تعصيب؛ فإن الأولاد أولى منهم‏.‏

والله إنما أعطاها النصف، إذا كان الميت كلالة‏.‏ فلما بطل سقوطها وفرضها لم يبق إلا أن تكون عصبة أولى من البعيد، كالعم وابن العم، وهذا قول الجمهور‏.‏

وقد دل عليه حديث البخاري عن ابن مسعود لما ذكر له أن أبا موسى وسلمان بن ربيعة قال في بنت وبنت ابن وأخت‏:‏ للبنت النصف، /وللأخت النصف، وائت ابن مسعود فإنه سيتابعنا‏.‏ فقال‏:‏ لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، لأقضين فيها بقضاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ‏(‏للبنت النصف، وبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقى للأخت‏)‏، فدل ذلك أن الأخوات مع البنات عصبة، والأخت تكون عصبة بغيرها، وهو أخوها‏.‏ فلا يمتنع أن تكون عصبة مع البنت‏.‏

وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ألحقوا الفرائض بأهلها‏.‏ ‏.‏‏)‏ إلخ فهذا عام خص منه المعتقة، والملاعنة، والملتقطة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏تحوز المرأة ثلاث مواريث‏:‏ عتيقها، ولقيطها، وولدها الذي لاعنت عليه‏)‏، وإذا كان عاما مخصوصا، خصت منه هذه الصورة بما ذكر من الأدلة‏.‏